مجمعات سكنية نفذتها وزارة الإسكان في وقت سابق.  (عكاظ)
مجمعات سكنية نفذتها وزارة الإسكان في وقت سابق. (عكاظ)
مجمعات معادن الفوسفات في رأس الخير.  (عكاظ)
مجمعات معادن الفوسفات في رأس الخير. (عكاظ)
الطيار
الطيار
الأحمري
الأحمري
فضل البوعينين
فضل البوعينين
محمد عقيل
محمد عقيل
-A +A
صالح الزهراني (جدة)
تنعقد آمال وتطلعات وأمانٍ كبيرة على عام 2017، بعد أن نجحت السعودية في خفض العجز في ميزانية العام الجديد، وسعيها الدؤوب على التعامل مع المتغيرات كافة بما لا يؤثر على الأهداف المحددة بالانتقال إلى آفاق أوسع وأشمل لمواجهة التحديات وتعزيز موقعها في الاقتصاد العالمي، من خلال مواصلة الانضباط المالي، وتعزيز الشفافية والنزاهة ورفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي، وإعطاء الأولوية للمشاريع والبرامج التنموية والخدمية التي تخدم المواطن.

ولا شك أن العام الماضي لم يكن عاما عاديا، باعتباره أصعب الأعوام التي مرت على السعودية اقتصاديا؛ بسبب تراجع عائدات النفط بنسبة 50%، وما استتبع ذلك من حدوث أزمات عالمية كادت تعصف بعدد من الدول، الأمر الذي حتم تحرك السعودية لإطلاق حزمة من الإصلاحات العاجلة؛ لسد الفجوة، ودرء مخاطر انعكاساتها على الاقتصاد الوطني.


ووفقا لحديث وزير المالية محمد بن عبدالله الجدعان أخيرا، فإن عام 2017 يحمل الكثير من المبشرات للقطاعات العامة والخاصة كافة، مؤكدا أن مستحقات قطاع المقاولات ستصرف أولا بأول دون تأخير وخلال شهرين من تاريخ الاستحقاق.

وبحسب اقتصاديين ومتخصصين، فإن 2017 سيشهد عددا من القرارات تهدف لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، ليصبح متعدد الأقطاب ولا يعتمد على النفط فحسب، تطبيقا للميزانية العامة للدولة في 2017، التي تضمنت إيرادات بقيمة 692 مليار ريال، ومصروفات 890 مليار ريال، بزيادة 6% عن 2016، فيما قدر العجز بنحو 198 مليار ريال، إضافة إلى المضي قدما في تطبيق رؤية «السعودية 2030» التي أعلنت في شهر أبريل 2016.

وأوضحوا لـ«عكاظ» أن مواجهة التحديات والصعوبات خلال 2017، تفرض خفض الدعم المقدم للوقود والكهرباء، بعد أن ارتفعت فاتورة الدعم إلى 300 مليار ريال خلال العام الماضي، ورفع مساهمة الإيرادات غير النفطية إلى أن تصل لنحو 7% العام القادم، بحسب توقعاتهم.

إلى جانب الاستمرار في تطبيق رسوم الأراضي البيضاء في بقية مناطق السعودية؛ بهدف تشجيع المطورين على البناء، وحل أزمة الإسكان.

وقال الاقتصادي فضل البوعينين: «رغم متغيرات الاقتصاد العالمي والمحلي، وانخفاض الدخل كنتيجة مباشرة لهبوط أسعار النفط، استمرت السعودية في توسعها الاستثماري في قطاعات الإنتاج، ودشن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز خلال زيارته للمنطقة الشرقية، مشاريع ضخمة فاق مجملها 500 مليار ريال، تنوعت بين صناعة النفط، والتعدين، والبتروكيماويات، والصناعات البحرية، والكهرباء، وتحلية المياه، إضافة إلى مشروع السكك الحديدية الذي يربط المناطق التعدينية في الشمال والوسط برأس الخير، وهو أحد أهم المنجزات الاقتصادية في العام 2016، وذلك لأسباب ثلاثة رئيسية، هي حجم الاستثمار الذي زاد عن 500 مليار ريال، وتنوعه بما يعزز تحقيق هدف تعدد الاقتصاد، وخلق قطاع صناعي جديد «الصناعات البحرية»، كما أن افتتاح منطقة مدينة رأس الخير التعدينية، أحد الأحداث المهمة، التي أصبحت قاعدة للصناعات التعدينية والتحويلية».

وأضاف: «كما أن رفع طاقة السعودية الإنتاجية من النفط لتصل إلى 12.5%، يعد من الأحداث الاقتصادية المهمة خلال 2016، إذ ارتبط ذلك بتطوير أهم حقول المملكة، ومنها حقول «شيبة ومنيفة وخريص»، علاوة على أن اكتشاف حقول غاز جديدة يعد أحد أهم المتغيرات الاقتصادية، وذلك لارتباطه بقطاعات الإنتاج من جهة، وتعزيز قدرات المملكة في قطاع الطاقة من جهة أخرى».

أما على المستوى العالمي يبين البوعينين، أن نجاح المملكة في التأثير الإيجابي على منتجي النفط داخل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وخارجها، خصوصا روسيا، أثمر عن اتفاق استثنائي لخفض الإنتاج؛ ما عزز الأسعار بشكل لافت، وأدى إلى تغير الوضع المالي خلال الربع الأخير من 2016، مشيرا إلى أن تمرير الاتفاق لم يكن ليحدث لولا جهود المملكة الاستثنائية.

«حساب المواطن» يصل بالدعم لمستحقيه

ويصف نائب رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة جدة زياد البسام إنشاء حساب المواطن، الذي سيفعل منتصف العام الجاري 2017 لتقديم الدعم النقدي للمستحقين بأنه خطوة كبيرة تستهدف ترشيد الإنفاق، ورفع كفاءته، والحد من الهدر المالي.

وأشار إلى أن هذا القرار يستهدف وصول الدعم النقدي إلى مستحقيه من الشرائح الفقيرة والمتوسطة، فيما لن يحصل أصحاب الدخل الشهري الأكثر من 20 ألف ريال على دعم؛ ما يعني أن الدعم بالفعل سيصل إلى مستحقيه، خصوصا بعدما ارتفعت فاتورة دعم الكهرباء والوقود إلى 300 مليار ريال في عام 2015.

ولفت إلى أن خطوة من هذا النوع، سترفع دخل الأسر الفقيرة، وتحد من الإسراف الاستهلاكي غير المبرر، كما ستدعم من جهة أخرى ميزانية الدولة، التي ستركز على المشاريع الإستراتيجية الكبرى، في مجالات التصنيع والتعدين والبتروكيمياويات، من أجل دعم القاعدة الصناعية للحد من الواردات من الخارج.

وتوقع أن يسهم هذا المشروع في إحداث نقلة سوقية مجتمعية نوعية، تحدث أثرا إيجابيا كبيرا على الاقتصاد الوطني في المرحلة القادمة، إذ أن حجم الدعم غير الموجه ساهم طوال السنوات الماضية في زيادة الأعباء والضغوط على الميزانية العامة للدولة؛ ما زاد من صعوبة الاستمرار على مثل النهج لفترة أطول بعد أن تراجعت أسعار النفط بصورة كبيرة.

إطلاق «رؤية 2030»

وأكد عميد كلية الأعمال في جامعة جدة الدكتور عبدالإله ساعاتي أن إطلاق رؤية السعودية 2030، يعد من أبرز القرارات الاقتصادية التي أعلن عنها العام الماضي، منوها بإشادة الهيئات الدولية بمضامين الرؤية، وفي صدارتها صندوق النقد الدولي، والجهود التي يبذلها ولي ولي العهد رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الأمير محمد بن سلمان من أجل تقليص الاعتماد على النفط، وبناء قاعدة إنتاجية صناعية خدماتية لوجستية توفر المزيد من الإيرادات غير النفطية للدولة.

ولفت إلى ارتفاع مساهمة الإيرادات غير النفطية في ميزانية هذا العام، حتى وصلت إلى 200 مليار ريال. وتوقع أن تسجل زيادة قدرها 7% العام القادم، في ظل طموح الرؤية للنهوض بالاقتصاد الوطني وتعدد مصادر الإيرادات؛ لتقليص الاعتماد على النفط.

وذكر أن المرحلة القادمة التي ظهرت معالمها حاليا، تستدعي روحا جديدة من المواطن للتفاعل معها، من خلال ترشيد استهلاكه وضبط إنفاقه بعد مرحلة طويلة من الهدر المالي، نتيجة انحراف الكثير من المشاريع عن مسارها الصحيح، وتأخرها في الإنجاز وزيادة النفقات عليها.

تقليص نسبة البطالة

ويشير مدير مركز المهنة والتدريب التعاوني في جامعة الأعمال والتكنولوجيا الدكتور لؤي بن بكر الطيار إلى أن العام الماضي سجل رقما قياسيا جديدا لمؤشر البطالة، وذلك بتجاوزها 12.1% للمرة الأولى، بعد أن كانت الآمال معلقة على تقليص المعدل السابق الذي بلغ 11.6%، خصوصا أن قضية البطالة حظيت منذ فترة مبكرة باهتمام الدولة، من خلال إنشاء هيئة لتوليد الوظائف بالقطاعين العام والخاص، مؤملا أن تبدأ الهيئة في العمل فعليا، بتأسيس هيئتها التنفيذية، ومباشرة أعمالها بإطلاق بوابة موحدة للتوظيف، ورفع كلفة الاستقدام من الخارج بعد تطوير كفاءة العمالة الوطنية لتحتل مكان العمالة الوافدة، إذ إن رفع كلفة الوافدة سيدفع القطاع الخاص للاستعانة بالقوى الوطنية، مع اعتبار أن يتولى الشباب السعودي زمام المبادرة ويقتحم سوق العمل في المهن كافة بقوة.

وشدد على أهمية أن تتولى الهيئة متابعة إطلاق نطاقات الموزون لزيادة توظيف السعوديين، خصوصا من القوى العاملة النسائية، وتحقيق الاستدامة المطلوبة في توظيفهن، إضافة إلى تطبيق نطاقات المناطق الذي يستهدف توظيف الخريجين في أماكن إقامتهم، والحد من الهجرة إلى المدن.

وبين الطيار أن مجموعة من التحديات تواجه الهيئة، كضعف كفاءة الخريجين، وعدم مواكبة متطلبات سوق العمل، ما يستدعي إعادة النظر في الأقسام النظرية بالجامعات، وزيادة الأقسام التطبيقية، متسائلا في الوقت ذاته عن مصير أكثر من 30 ألف خريج من التعليم الفني والمهني سنويا، خصوصا أن إحداث نقلة في توظيف السعوديين، يستلزم إعادة النظر في أعداد العمالة المستقدمة سنويا.

فك احتكار الأراضي برسوم «البيضاء»

ويرى رئيس لجنة التقييم العقاري في غرفة تجارة وصناعة جدة عبدالله بن سعد الأحمري أن فرض رسوم على الأراضي البيضاء، يعد واحدا من أهم القرارات التي صدرت خلال 2016. وشدد على ضرورة الاستمرار في تطبيقها بمناطق السعودية كافة؛ بهدف تشجيع المطورين على البناء، وحل أزمة الإسكان وفك احتكار الأراضي والتشجيع على البناء، ما يؤدي إلى حل أزمة الإسكان.

وأفاد أن حجم التسجيل في المرحلة الأولى، الذى بلغ 635 مليون م2 في الرياض، وجدة، والدمام فاق التوقعات بكثير، وأن هذه المساحة من الأراضي يمكن أن توفر أكثر من مليون وحدة سكنية لحل الأزمة.

وحذر الأحمري من أي محاولات لتحميل هذه النسبة من الرسوم البالغة 2.5% على المستهلك النهائي، الذي يبحث عن قطعة أرض لبناء منزل لأسرته.

وثمن توجه وزارة الإسكان إلى الدخول كضامن في تمويل البنوك لكبار السن والمتقاعدين من محدودي الدخل، إذ أن هذا القرار يعد واحدا من القرارات الجوهرية التي شهدها القطاع خلال 2016، مشيرا إلى أن وزارة الإسكان تصحح بهذا النهج ما كان يجرى في السابق بتركيز التمويل على الشرائح القادرة التي تتمتع بملاءة مالية جيدة فحسب، رغم أن تلك الشريحة لا تمثل سوى 20%.

وطالب الأحمري وزارة الإسكان بإسراع الجهود في المرحلة القادمة لبناء الوحدات السكنية المتفق بشأنها مع الشركات الصينية والتركية والكورية والمصرية، فضلا عن المطورين المحليين، التي تزيد عن 250 ألف وحدة سكنية، بما يمكن من إحداث فارق نوعي لحل الأزمة الإسكان، خصوصا أن الأزمة تراكمية، وتحتاج إلى حلول جذرية، مع إنهاء فقاعة الأسعار سواء في الأراضي أو الإيجار، وذلك من خلال زيادة المعروض من الوحدات السكنية على المستويات كافة، لاسيما في المدن المزدحمة في الرياض، وجدة، والدمام.

تعزيز التمويل بـ«السوق الموازية»

وأوضح عضو لجنة الأوراق المالية في غرفة تجارة وصناعة جدة المهندس محمد عقيل أن إطلاق هيئة سوق المال سوق الأسهم الموازية في شهر فبراير القادم، سيؤدي إلى دعم السوق وتعميقها في المرحلة القادمة، بعد السماح للشركات الأجنبية بالاستثمار المباشر وتعزيز الشفافية.

وبين أن إطلاق «السوق الموازية» يأتي ضمن خطط تطوير السوق المالية لتحقيق أهداف رؤية 2030، التي أكدت ضرورة بناء سوق مالية متقدمة ومنفتحة على العالم، ما يزيد فرص التمويل ويعزز القدرات والإمكانات الاقتصادية والاستثمارية للشركات.

وقال: «السوق الموازية تمنح فرصة استثمارية جديدة للشركات الصغيرة والمتوسطة من أجل دخول السوق، والاستفادة من مزايا الإدراج في السوق المالية بمتطلبات أكثر مرونة مقارنة بالسوق الرئيسية، من حيث القيمة السوقية وأعداد المساهمين، ونسب الأسهم المطروحة، إذ يقتصر التداول على فئات المستثمرين المؤهلين وفقا لقواعد التسجيل والإدراج في السوق الموازية، أما المستثمرون الأفراد فيسمح لهم بحسب القواعد بالتداول في نمو السوق الموازية من خلال الصناديق الاستثمارية، التي تنتهج إستراتيجيات استثمارية متنوعة لتخفيف آثار مخاطر الاستثمار المباشر».

وزاد: «سوق الأسهم شهد خلال العامين الماضيين السماح للمستثمرين الأجانب بالدخول فيه على مرحلتين، الأولى وفق ضوابط وأصول تصل إلى 18 مليار ريال، إلا أن الضوابط خففت لزيادة التدفقات المالية للسوق، في خطوة ضرورية للغاية تتماشى مع توجه السعودية نحو الانضمام لمؤشر الأسواق الناشئة في العام 2018 على أكثر تقدير، ما يعمق قاعدة السوق لتصبح نحو 250 شركة بنهاية رؤية 2030، مقارنة بنحو 171 شركة في السوق حاليا».

وتوقع أن يشهد السوق طفرة في العام القادم، مع تضاعف الآمال بقفزة جديدة في أسعار النفط.